فصل: (سورة الأنفال الآيات 5- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

روى التاريخ أن الاختلاف وقع بين المسلمين في غنائم بدر وقسمتها فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كيف نقسم؟ ولمن الحكم في قسمتها؟ أللمهاجرين أم للأنصار؟ أم لهم جميعا؟ فقيل لهم: هي للرسول وهو الحاكم فيها خاصة يحكم فيها ما يشاء، ليس لأحد غيره فيها حكم، وقيل: شرط لمن كان له بلاء في ذلك اليوم أن ينفله فتسارع شبّانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين، فلما يسر اللّه الفتح اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا، فقال الشبان: نحن المقاتلون، وقال الشيوخ الوجوه الذين كانوا عند الرايات: إنا كنا رداءا لكم، وفئة تنحازون إليها إن انهزمتم، وقالوا لرسول اللّه: المغنم قليل والناس كثير، وإن تعط هؤلاء ما شرطت لهم حرمت أصحابك فنزلت.
قصة سعد بن أبي وقاص:
وعن سعيد بن أبي وقّاص: قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأعجبني فجئت به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت: إن اللّه قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال: ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض، يعني المال المقبوض، فطرحته وبي مالا يعلمه إلا اللّه تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني رسول اللّه وقد أنزلت سورة الأنفال فقال: يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب وخذه.
رواية عبادة بن الصامت:
وعن عبادة بن الصامت: نزلت فينا معشر أصحاب بدر، حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا فجعله لرسول اللّه فقسمه بين المسلمين على السواء وكان في ذلك تقوى اللّه وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين.

.[سورة الأنفال الآيات 5- 9]:

{كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}

.اللغة:

{الشَّوْكَةِ} للشوكة معان كثيرة وهي هنا بمعنى البأس والقوة والسلاح، وحدته على أن جميع معانيها ترجع إلى معنى التفوق والظهور والغلبة، ومن معانيها إبرة العقرب، وحمرة تعلو الجسد، والنكاية في العدوّ، يقال: لا تشوكك مني شوكة، أي لا يلحقك مني أذى.
وشوكة الحائك: الآلة التي يسوّى بها السدى واللحمة، ويقال: شاكت إصبعه شوكة، وشوّكت النخلة: خرج شوكها، وشوكت الحائط: جعلت عليه الشوك، ومن المجاز: شوّك الزرع وزرع مشوّك إذا خرج أوله، وشوّك ثدي الجارية وتشوّك: إذا بدأ خروجه.
قال:
أحببت هذي قديما وهي ماشية ** وما تشوّك ثدياها وما نهدا

وإذا استعرضنا مادة الشين والواو فاء وعينا للكلمة وجدنا خاصة عجيبة لها كأنها قد وضعت خاصة لمعاني الظهور والتأثير والارتفاع والتفوق، فالشوب: خلط الشيء بغيره بحيث يؤثر فيه، يقال: شاب العسل بالماء وكأن ريقتها خمر يشوبها عسل، ولهم المشاجب والمشاوب وهي أسفاط وحقق تتحذ من الخوص، وشوّرت به فتشوّر ومنه قيل: أبدى اللّه شوارك أي عورتك، وفي حديث الزّبّاء: أشوار عروس ترى؟ وهذا من عجيب أمر لغتنا العربية الشريفة فافهم وتدبر.

.الإعراب:

{كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} كما يجوز أن تكون الكاف بمعنى مثل ومحلها الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه الحال كحال اخراجك، ويجوز أن تكون حرفا جارا، ومحل الجار والمجرور الرفع كما تقدّم والمعنى: ان حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب، ويجوز أن يكون محلها النصب على أنها صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله: {الأنفال للّه والرسول}، أي الأنفال استقرت للّه والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون. وقد توسّع المعربون القدامى في التقدير والتأويل، وأنهاها بعضهم إلى عشرين وجها ولكنها لا تخرج عما ذكرناه ومن بيتك جار ومجرور متعلقان بأخرج، وبالحق جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسا بالحق والحكمة والصواب الذي لا محيد عنه، وسيأتي في باب الفوائد ذكر بعض الحوادث التاريخية التي توضح هذا المعنى والاعراب {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ} الواو حالية وإن واسمها ومن المؤمنين جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة، واللام المزحلقة وكارهون خبر إن، والجملة في محل نصب حال من الكاف في أخرجك، أي أخرجك في حالة كراهتهم {يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ} الجملة مستأنفة مسوقة للإخبار عن حالهم بالمجادلة، ويجوز أن تكون حالا ثانية من الكاف أي أخرجك في حال مجادلتهم إياك أو من الضمير في كارهون أي لكارهون في حال الجدال، وفي الحق جار ومجرور متعلقان بيجادلونك وبعد ظرف زمان متعلق بيجادلونك وما مصدرية وهي وما في حيزها مصدر مضاف للظرف أي بعد تبينه وخروجه وهو أقبح من الجدال في الشيء قبل اتضاحه {كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} الجملة حالية من الضمير في {لكارهون} أي حال كونهم مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار إلى القتل، وكأنما كافة ومكفوفة، ويساقون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والى الموت جار ومجرور متعلقان بيساقون، والواو حالية وهم ينظرون جملة في محل نصب على الحال.
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} الواو عاطفة وإذ ظرف متعلق بفعل محذوف أي واذكر إذ وجملة يعدكم اللّه في محل جر بالإضافة وإحدى الطائفتين مفعول به، ولابد من تقدير محذوف، أي: الظفر بإحدى الطائفتين، والطائفتان العير والنفير {أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} ان واسمها ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر، وأن وما في حيزها بدل اشتمال من أحد الطائفتين، وتودون: الواو حالية أو عاطفة، وتودون فعل مضارع مرفوع وعلامة بثبوت النون والواو فاعل، وأن وما في حيزها مفعول تودّون، وجملة تكون خبر أن، ولكم جار ومجرور لكم العير لأنها الطائفة التي لا شوكة لها ولا تريدون الطائفة الأخرى {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ} الواو عاطفة ويريد اللّه فعل وفاعل وأن مصدرية وهي وما في حيزها مفعول يريد، وبكلماته جار ومجرور متعلقان بيحق. ويقطع دابر الكافرين جملة معطوفة، وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} اللام للتعليل ويحق فعل مضارع منصوب بأن مضمرة واللام وما في حيزها متعلقان بمحذوف تقديره فعل ذلك ليحق الحق ويبطل الباطل وليس هذا تكريرا لما قبله لأن الأول خاص والثاني عام فالمراد بالأول تثبيت ما وعد به في هذه الواقعة من النصر والظفر. والمراد بالثاني تدعيم الدين وتقويته وإظهار الشريعة وتثبيتها.
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} الظرف متعلق بمحذوف، أي: واذكروا، ويجوز أن يتعلق بيحق، وعبّر بالحق حكاية للحال الماضية ولذلك عطف عليه: فاستجاب لكم بصيغة الماضي {فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} الفاء عاطفة كما تقدم ولكم جار ومجرور متعلقان باستجاب وإن وما في حيزها في محل نصب بنزع الخافض أي:
بأني ممدكم، والجار والمجرور متعلقان باستجاب أيضا، وممدكم خبر إن، وبألف جار ومجرور متعلقان بممدكم ومن الملائكة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لألف، ومردفين صفة ثانية ومفعول مردفين محذوف لأنه اسم فاعل أي أمثالهم أي متبعين بعضهم بعضا، أو متبعين بعضهم لبعض.